لطالما سألنا أنفسنا هذا السؤال: من أول شخص تكلم اللغة العربية .
لو أحضرنا 100 طفل ولدوا حديثا وقبل أن يحدث أي تماس بينهم وبين العالم الخارجي وضعناهم في مكان لوحدهم وأغلقنا عليهم ثم كبر هؤلاء الأطفال بعيدا عن الناس ...
برأيك ما هي اللغة التي سيتكلمون بها ؟ وكيف سيتواصلون مع بعضهم البعض ؟ كيف ستكون طباعهم .. ؟
إن الحالة التي طرحناها تسمى بتجربة الحرمان من اللغة أو التجربة المحرمة وقد طبقت مرارا على مر التاريخ فقد ليصلوا إلى جواب دقيق حول سؤال : ما هو مصدر اللغة ؟ ويعني هذا المصطلح تجربة تربية مجموعةمن الأطفال في بيئة خالية من الأشخاص الكبار بحيث تتم مراقبتهم من طرف العلماء من حيث لا يشعرون ليدرسوا كيفية تخاطبهم وتواصلهم، لرؤية كيفية نشأة اللغة. طالما أثارت التحرّق والتشوّق للعلماء الذين يتمنون معرفة كيفية تواصل البشر مع بعضهم البعض فيما لو نشأوا من دون تعلّم اللغة، ولكن بسبب تبعاتها القانونية فإنها لم تُطبَّق في العصر الحديث، ولا نعلم إلا بتجارب نادرة.
الملك فردريك الثاني يتكلم عدة لغات، ورغب في معرفة اللغة الطبيعية للبشر، ويقول مؤرخ كَتَب التجربة: "أمر الملك بعض النسوة أن يرضعن هؤلاء الأطفال وتنظيفهم، ولكن لا يتحدثن أمامهم بأي لغة ولا ينطقن أي كلمة، وأراد معرفة هل سيتحدث الأطفال اليونانية أو اللاتينية أوالعبرية أو العربية أو ربما لغة آبائهم".
ماذا تتوقع النتيجة؟ شيء لن تتوقعه: مات الأطفال! ماتوا كلهم قبل أن ينطقوا كلمة!
لماذا؟
لأنهم حُرِموا شيئاً مهماً جداً...الحب.
لم يكفِ توفير الماء والغذاء والعناية لهم، فالإنسان كائن اجتماعي يحتاج اللمس واللعب والتخاطب والقرب من البشر، إنها حاجة بيولوجية، ليس وقت الرشد فقط بل منذ أن يولد، وقد حصلت "تجربة أخرى" (إن صح التعبير) غير مقصودة أظهرت نفس النتيجة في الأربعينات الميلادية من القرن الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، فراقب عالم المواليد الذين توفيت أمهاتهم أو سُجِنَّ وآلَ المواليد إلى دور الرعاية وملاجئ الأيتام، وآنذاك اشتهرت نظرية لويس باستر عن الجراثيم وخاف المسؤولون على صحة الأطفال فعزلوهم ليحموهم من العدوى المنتشرة، ورغم أنهم أتتهم عناية كاملة من ماء وطعام ونظافة ... إلا أنهم أخذوا يضعفون وينحفون وينطوون، حتى مات الكثير منهم على صدمة المسؤولين، بل صاروا أكثر عِرضة للعدوى التي عُزِلوا ليتقوها!
الحب شيء أساسي في حياتنا. هناك اليوم بيوت لا يقصّر فيها الأب على الأبناء بالنفقة والتغذية والعلاج، لكن يقصّر بشيء أخر ... الحب، ينشغل بعمله وبشؤونه الخاصة ويحرمهم لمسته ونظرته وصوته، وكما ترى فهذه لا تقل أهمية عما سبقها "التجربة المحرمة" بل هي أهم!

















